فصل: الوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان الإذن لهم في الاعتذار في بعض المواقف الطويلة في ذلك اليوم متعذرًا، عبر عنه سبحانه بأداة البعد فقال تعالى: {ثم لا يؤذن} أي لا يقع إذن على تقدير من التقادير {للذين كفروا} أي بعد شهادة الشهداء في الاعتذار كما يؤذن في هذه الدار للمشهود عليه عند السؤال في الإعذار، لأنه لا عذر هناك في الحقيقة {ولا هم} أي خاصة {يستعتبون} أي ولا يطلب منهم الإعتاب المؤثر للرضى وهو إزالة العتب وهو الموجدة المعبر بها عن الغضب المعبر به عن آثاره من السطوة والانتقام، وأخذ العذاب لأهل الإجرام من قبيح ما ارتكبوا، لأن تلك الدار ليست بدار تكليف؛ ثم وصل به أن ما يوجبه الغضب يدوم عليهم في ذلك اليوم، فقال تعالى عاطفًا على ما بعد {ثم} {وإذا رءا} وأظهر موضع الإضمار تعميمًا فقال تعالى: {الذين ظلموا} فعبر بالوصف الموجب للعذاب {العذاب} بعد الموقف وشهادة الشهداء، وجزاء الشرط محذوف لدلالة ما قرن بالفاعلية تقديره: لابسهم {فلا يخفف} أي يحصل تخفيف بنوع من الأنواع ولا بأحد من الخلق {عنهم} شيء منه {ولا هم ينظرون} بالتأخير ولا لحظة بوجه من الوجوه على تقدير من التقادير من أحد ما.
ولما بين سبحانه حاصل أمرهم في البعث وما بعده، وما من أهم المهم أمرهم في الموقف مع شركائهم الذين كانوا يترجونهم، عطف على ذلك قوله تعالى: {وإذا رءا} أي بالعين يوم القيامة {الذين أشركوا} فأظهر أيضًا الوصف المناسب للمقام {شركاءهم} أي الآلهة التي كانوا يدعونها شركاء {قالوا ربنا} يا من أحسن إلينا وربانا! {هؤلاء شركاؤنا} أضافوهم إلى أنفسهم لأنه لا حقيقة لشركتهم سوى تسميتهم لها الموجب لضرهم؛ ثم بينوا المراد بقولهم: {الذين كنا ندعوا} أي نعبد.
ولما كانت المراتب متكثرة دون رتبته سبحانه لأن علوه غير منحصر، أدخل الجار فقال تعالى: {من دونك} ليقربونا إليك، فأكرمنا لأجلهم جريًا على منهاجهم في الدنيا في الجهل والغباوة، فخاف الشركاء من عواقب هذا القول والإقرار عليه سطوات الغضب {فألقوا} أي الشركاء {إليهم} أي المشركين {القول} أي بادروا به حتى كان إسراعه إليهم إسراع شيء ثقيل يلقى من علو؛ وأكدوا قولهم لأنه مطاعنة لقول المشركين فقالوا: {إنكم لكاذبون} في جعلنا شركاء وأنا نستحق العبادة أو نشفع أو يكون لنا أمر نستحق به أن نذكر {وألقوا} أي الشركاء {إلى الله} أي الملك الأعلى {يومئذ} أي يوم القيامة إذ نبعث من كل أمة شهيدًا {السلم} أي الانقياد والاستسلام بما علم به الكفار أنهم من جملة العبيد لا أمر لهم أصلًا، فأصلد زندهم، وخاب قصدهم، وقيد بذلك اليوم لأنهم كانوا في الدنيا- بتزيين الشياطين لأمورهم ونطقهم على ألسنتهم- بحيث يظن عابدوهم أن لهم منعة، وبهم قوة ويجوز أن يكون ضمير {ألقوا} للمشركين {وضل عنهم} أي عن الكفار {ما كانوا} أي بجبلاتهم {يفترون} أي يتعمدون من دعوى النفع لهم والضر كذبًا وفجورًا، فكأنه قيل: هذا للذين أشركوا، فما للذين كانوا دعاة إلى الشرك مانعين من الانتقال عنه؟ فقيل: {الذين كفروا} أي أوجدوا الكفر في أنفسهم {وصدوا} مع ذلك غيرهم {عن سبيل الله} أي الذي له الإحاطة كلها {زدناهم} أي بما لنا من العظمة، بصدهم غيرهم {عذابًا فوق العذاب} الذي استحقوه على مطلق الشرك {بما كانوا} أي كونًا جبليًا {يفسدون} أي يوقعون الفساد ويجددونه. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ولنجزين} بالنون: ابن كثير وعاصم ويزيد وعباس والنقاش عن ابن ذكوان. الآخرون بالياء. {قرأت القرآن} مثل {أنشأنا}.

.الوقوف:

{يستعتبون} o {ولا هم ينظرون} o {من دونك} ج لاختلاف الجملتين مع الفاء {لكاذبون} o ج للعطف مع أنه رأس آية {يفترون} o {يفسدون} o {على هؤلاء} ط لواو الاستئناف {للمسلمين} o {والبغي} ج لاحتمال ما بعده الحال والاستئناف {تذكرون} o ط {كفيلاً} o ط {تفعلون} o {أنكاثاً} ط بناء على أن التقدير أتتخذون {من أمة} ط {به} ط {تختلفون} o {ويهدي من يشاء} ط {تعملون} o {عن سبيل الله} ج لانقطاع النظم مع اتصال المعنى {عظيم} o {قليلاً} ط {تعلمون} o {باق} ط {يعلمون} o {طيبة} ج للعدول عن الوحدان إلى الجمع مع أنهما ضميراً من {يعملون} o {الرحيم} o {يتوكلون} o {مشركون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84)}.
اعلم أنه تعالى لما بين من حال القوم أنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها وذكر أيضًا من حالهم أن أكثرهم الكافرون أتبعه بالوعيد، فذكر حال يوم القيامة فقال: {ويوم نبعث من كل أمة شهيدًا} وذلك يدل على أن أولئك الشهداء يشهدون عليهم بذلك الإنكار وبذلك الكفر، والمراد بهؤلاء الشهداء الأنبياء كما قال تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} [النساء: 41]، وقوله: {ثم لا يؤذن للذين كفروا} فيه وجوه: أحدها: لا يؤذن لهم في الاعتذار لقوله: {ولا يؤذن لهم فيعتذرون} [المرسلات: 36].
وثانيها: لا يؤذن لهم في كثرة الكلام.
وثالثها: لا يؤذن لهم في الرجوع إلى دار الدنيا وإلى التكلف.
ورابعها: لا يؤذن لهم في حال شهادة الشهود، بل يسكت أهل الجمع كلهم ليشهد الشهود.
وخامسها: لا يؤذن لهم في كثرة الكلام ليظهر لهم كونهم آيسين من رحمة الله تعالى.
ثم قال: {ولا هم يستعتبون} الاستعتاب طلب العتاب، والرجل يطلب العتاب من خصمه إذا كان على جزم أنه إذا عاتبه رجع إلى الرضا، فإذا لم يطلب العتاب منه دل على أنه راسخ في غضبه وسطوته، ثم إنه تعالى أكد هذا الوعيد فقال: {وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم} والمعنى أن المشركين إذا رأوا العذاب ووصلوا إليه، فعند ذلك لا يخفف عنهم العذاب {ولا هم} أيضًا {ينظرون} أي لا يؤخرون ولا يمهلون، لأن التوبة هناك غير موجودة، وتحقيقه ما يقوله المتكلمون من أن العذاب يجب أن يكون خالصًا عن شوائب النفع، وهو المراد من قوله: {لا يخفف عنهم العذاب} [البقرة: 162]، ويجب أن يكون العذاب دائمًا وهو المراد من قوله: {ولا هم ينظرون}.
{وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاء شُرَكَاؤنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ}.
اعلم أن هذا أيضًا من بقية وعيد المشركين، وفي الشركاء قولان:
القول الأول: أنه تعالى يبعث الأصنام التي كان يعبدها المشركون، والمقصود من إعادتها أن المشركين يشاهدونها في غاية الذلة والحقارة.
وأيضًا أنها تكذب المشركين، وكل ذلك مما يوجب زيادة الغم والحسرة في قلوبهم، وإنما وصفهم الله بكونهم شركاء لوجهين: الأول: أن الكفار كانوا يسمونها بأنها شركاء الله.
والثاني: أن الكفار جعلوا لهم نصيبًا من أموالهم.
والقول الثاني: أن المراد بالشركاء الشياطين الذين دعوا الكفار إلى الكفر، وهو قول الحسن، وإنما ذهب إلى هذا القول، لأنه تعالى حكى عن أولئك الشركاء أنهم ألقوا إلى الذين أشركوا إنهم لكاذبون، والأصنام جمادات فلا يصح منهم هذا القول، فوجب أن يكون المراد من الشركاء الشياطين حتى يصح منهم هذا القول وهذا بعيد، لأنه تعالى قادر على خلق الحياة في تلك الأصنام وعلى خلق العقل والنطق فيها، وحينئذ يصح منها هذا القول، ثم حكى تعالى عن المشركين أنهم إذا رأوا تلك الشركاء قالوا: ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك.
فإن قيل: فما فائدتهم في هذا القول؟
قلنا: فيه وجهان: الأول: قال أبو مسلم الأصفهاني: مقصود المشركين إحالة الذنب على هذه الأصنام وظنوا أن ذلك ينجيهم من عذاب الله تعالى أو ينقص من عذابهم، فعند هذا تكذبهم تلك الأصنام.
قال القاضي: هذا بعيد، لأن الكفار يعلمون علمًا ضروريًا في الآخرة أن العذاب سينزل بهم وأنه لا نصرة ولا فدية ولا شفاعة.
والقول الثاني: أن المشركين يقولون هذا الكلام تعجبًا من حضور تلك الأصنام مع أنه لا ذنب لها واعترافًا بأنهم كانوا مخطئين في عبادتها.
ثم حكى تعالى أن الأصنام يكذبونهم، فقال: {فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القول إِنَّكُمْ لكاذبون} والمعنى: أنه تعالى يخلق الحياة والعقل والنطق في تلك الأصنام حتى تقول هذا القول، وقوله: {إِنَّكُمْ لكاذبون} بدل من القول، والتقدير: فألقوا إليهم إنكم لكاذبون.
فإن قيل: إن المشركين ما قالوا إلا أنهم لما أشاروا إلى الأصنام قالوا: إن هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك وقد كانوا صادقين في كل ذلك، فكيف قالت الأصنام إنكم لكاذبون؟.
قلنا: فيه وجوه: والأصح أن يقال المراد من قولهم هؤلاء شركاؤنا هو أن هؤلاء الذين كنا نقول إنهم شركاء الله في المعبودية، فالأصنام كذبوهم في إثبات هذه الشركة.
وقيل: المراد إنكم لكاذبون في قولكم إنا نستحق العبادة ويدل عليه قوله تعالى: {كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بعبادتهم} [مريم: 82].
ثم قال تعالى: {وَأَلْقَوْاْ إلى الله يَوْمَئِذٍ السلم} قال الكلبي: استسلم العابد والمعبود وأقروا لله بالربوبية وبالبراءة عن الشركاء والأنداد: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} وفيه وجهان: وقيل: ذهب عنهم ما زين لهم الشيطان من أن لله شريكًا وصاحبة وولدًا.
وقيل: بطل ما كانوا يأملون من أن آلهتهم تشفع لهم عند الله تعالى.
{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)}.
اعلم أنه تعالى لما ذكر وعيد الذين كفروا، أتبعه بوعيد من ضم إلى كفره صد الغير عن سبيل الله.
وفي تفسير قوله: {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} وجهان: قيل: معناه الصد عن المسجد الحرام، والأصح أنه يتناول جملة الإيمان بالله والرسول وبالشرائع، لأن اللفظ عام فلا معنى للتخصيص وقوله: {زدناهم عَذَابًا فَوْقَ العذاب} فالمعنى أنهم زادوا على كفرهم صد غيرهم عن الإيمان فهم في الحقيقة ازدادوا كفرًا على كفر، فلا جرم يزيدهم الله تعالى عذابًا على عذاب، وأيضًا أتباعهم إنما اقتدوا بهم في الكفر، فوجب أن يحصل لهم مثل عقاب أتباعهم لقوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13]، ولقوله عليه السلام: «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة»، ومن المفسرين من ذكر تفصيل تلك الزيادة فقال ابن عباس: المراد بتلك الزيادة خمسة أنهار من نار تسيل من تحت العرش يعذبون بها ثلاثة بالليل واثنان بالنهار، وقال بعضهم زدناهم عذابًا بحيات وعقارب كأمثال البخت، فيستغيثون بالهرب منها إلى النار ومنهم من ذكر لكل عقرب ثلثمائة فقرة في كل فقرة ثلثمائة قلة من سم.
وقيل: عقارب لها أنياب كالنخل الطوال.
ثم قال تعالى: {بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} أي هذه الزيادة من العذاب إنما حصلت معللة بذلك الصد، وهذا يدل على أن من دعا غيره إلى الكفر والضلال فقد عظم عذابه، فكذلك إذا دعا إلى الدين واليقين، فقد عظم قدره عند الله تعالى، والله أعلم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وألقوا إلى الله يومئذ السلم}.
يحتمل وجهين:
أحدهما: استسلامهم لعذابه، وخضوعهم لعزه.
الثاني: إقرارهم بما كانوا ينكرون من طاعته.
{وضَلَّ عنهم ما كانوا يفترون} يحتمل وجهين:
أحدهما: وبطل ما كانوا يأملون.
الثاني: خذلهم ما كانوا به يستنصرون.
قوله عز وجل: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زِدناهُم عذابًا فوق العذاب} فيه وجهان:
أحدهما: أن الزيادة هي عذاب الدنيا مع ما يستحق من عذاب الآخرة.
الثاني: أن أحد العذابين على كفرهم، والعذاب الآخر على صدهم عن سبيل الله ومنعهم لغيرهم من الإيمان.
{بما كانوا يفسدون} في الدنيا بالمعاصي. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {ويوم نبعث} الآية وعيد، والتقدير واذكر يوم نبعث ويرد {شهيدًا} على كفرهم وإِيمانهم، ف شهيد بمعنى، شاهد وذكر الطبري أن المعنى ثم ينكرونها اليوم {ويوم نبعث من كل أمة شهيدًا}، أي ينكرون كفرهم فيكذبهم الشهيد وقوله: {ثم لا يؤذن} أي لا يؤذن لهم في المعذرة، وهذا في موطن دون موطن، لأن في القرآن أن {كل نفس تأتي تجادل عن نفسها} [النحل: 111]، ويترتب أن تجيء كل نفس تجادل فإذا استقرتَ أقوالهم بعث الله الشهود من الأمم فتكذب الكفار، فلم يؤذن للمكذبين بعد في معذرة، و{يستعتبون} معناه يعتبون، يقال أعتبت الرجل إذا كفيته ما عتب فيه، كما تقول أشكيته إذا كفيته ما شكا، فكأنه قال ولا هم يكفون ما يعتبون فيه ويشق عليهم والعرب تقول استفعل بمعنى أفعل، تقول أدنيت الرجل واستدنيته وقال قوم معناه لا يسألون أن يرجعوا عما كانوا عليه في الدنيا.
قال القاضي أبو محمد: فهذا استعتاب معناه طلب عتابهم، وقال الطبري معنى {يستعتبون} يعطون الرجوع إلى الدنيا فيقع منهم توبة عمل، وقوله: {وإذا رأى الذين ظلموا العذاب} الآية، أخبر الله تعالى في هذه الآية أن هؤلاء الكفرة الظالمين في كفرهم إذا أراهم الله عذاب الله وشارَفُوها وتحققوا كنه شدتها، فإن ذلك الأمر الهائل الذي نزل بهم لا يخفف بوجه ولا يؤخر عنهم، وإنما مقصد الآية الفرق بين ما يحل بهم وبين رزايا الدنيا، فإن الإنسان لا يتوقع أمرًا من خطوب الدنيا إلا وله طمع في أن يتأخر عنه وفي أن يجيئه في أخف ما يتوهم برجائه، وكذلك متى حل به كان طامعًا في أن يخف، وقد يقع ذلك في خطوب الدنيا كثيرًا، فأخبر الله تعالى أن عذاب الآخرة إذا عاينه الكافر لا طماعية فيه بتخفيف ولا بتأخير.
{وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاء شُرَكَاؤنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ}.
أخبر الله تعالى في هذه الآية أن المشركين إذا رأوا يوم القيامة بأبصارهم الأوثان والأصنام وكل معبود من دون الله لأنها تحشر معهم توبيخًا لهم على رؤوس الأشهاد أشاروا إليهم وقالوا هؤلاء كنا نعبد من دون الله، أرادوا بذلك تذنيب المعبودين وإدخالهم في المعصية، وأضافوا الشركاء إلى أنفسهم من حيث هم جعلوهم شركاء، وهذا كما يصف رجل آخر بأنه خير فتقول أنت ما فعل خيرك فأضفته إليه من حيث وصفه هو بتلك الصفة، والضمير في {أقول} عائد على الشركاء، فمن كان من المعبودين من البشر ألقى القول المعهود بلسانه، وما كان من الجمادات تكلمت بقدرة الله بتكذيب المشركين في وصفهم بأنهم آلهة وشركاء لله، ففي هذا وقع الكذب لا في العبادة وقال الطبري: المعنى إنكم لكاذبون، ما كنا ندعوكم إلى عبادتنا.
قال القاضي أبو محمد: فكأنهم كذبوهم في التذنيب لهم وقوله: {وألقوا إلى الله}، الضمير في {ألقوا} عائد على المشركين، والمعنى ألقوا إليه الاستسلام، وألقوا ما بأيديهم وذلوا لحكمه، ولم تكن لهم حيلة ولا دفع، و{السلم} الاستسلام، وقرأ الجمهور: {السلَم} بفتح اللام، وروى يعقوب عن أبي عمرو سكون اللام، وقرأ مجاهد {السُّلُم} بضم السين واللام، وقوله: {وضل عنهم} معناه وتلف عنهم كذبهم على الله وافتراؤهم الكفر والتشريك، وقوله: {الذين كفروا} الآية، في ضمن {وضل عنهم ما كانوا يفترون} لأنه حل بهم عذاب الله وباشروا نقمته، ثم فسروه فأخبر أن الذين كفروا ومنعوا غيرهم من الدخول في الدين وسلوك سبيل الله زادهم عذابًا أجلّ من العذاب العام لجميع الناس عقوبة على إفسادهم، فيحتمل أن يكون قوله: {الذين} بدلًا من الضمير في {يفترون}، و{زدناهم} فعل مستأنف إخباره، ويحتمل أن يكون {الذين} ابتداء و{زدناهم} خبره، وروي في ذلك أن الله تعالى يسلط عليهم عقارب وحيات لها أنياب كالنخل الطوال، قاله ابن مسعود، وقال عبيد بن عمير: لها أنياب كالنخل وعقارب كالبغال الدهم، ونحو هذا عن عبد الله بن عمرو بن العاصي، إن لجهنم سواحل فيها هذه الحيات وهذه العقارب، فيفر الكافر إلى السواحل من النار، فتلقاهم هذه الحيات والعقارب، فيفرون منها إلى النار فتتبعهم حتى تجد حر النار، فترجع، قال وهي في أسراب. اهـ.